التباين السياسي في المجتمع الأمريكي

تُحدق بالولايات المتحدة الأمريكية سمة غير مسبوقة من الاستقطاب والانقسام السياسي، تتصاعد إثرها حدة التوترات بين أيديولوجيات الطيف السياسي الأمريكي من ليبراليين ومحافظين، لتسيطر بذلك على سلوك أفراد المجتمع وتحدد معايير تعاملهم فيما بينهم، مفضيةً إلى تفاقم الوضع الداخلي، إذ يدفع الليبراليون باتجاهات جديدة تؤكد أهمية تقبل الجميع وإحلال المساواة، لا سيما بشأن ما يرتبط بموضوعات (الهوية الجندرية) والعدالة العرقية التي يعدّونها من أهم أولوياتهم، ويتحركون بتركيز في جهودهم لتطبيع المجتمع على تلك المفاهيم المستحدثة بوصفها أمثلةً مطلقة في التعامل السليم والخلق الرفيع، مؤكدين بهذا الصدد ضرورة احترام هذه الأفكار والاحتفاء بها، فضلاً عن تحركهم المعتاد للمطالبة بتقييد حمل الأسلحة النارية ودعم الحكومة للاقتصاد، والتقليل من آثار الاحتباس الحراري وما إلى ذلك، فيما يتجه المحافظون نحو إحياء التقاليد والثقافات الموروثة، مؤكدين إنَّ بلادهم تقوم على أساس الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، وأنَّ على الجميع نبذ الأفكار الدخيلة التي ستؤدى برأيهم إلى تفكك المجتمع وزعزعة استقراره، وبذلك فإنهم ينادون إلى الإبقاء على المبادئ الأخلاقية والدينية التقليدية، فضلاً عن سعيهم لصيانة حقوقهم الأساسية كحق حمل وحيازة الأسلحة النارية وحرية العمل والتنافس.     وفي ظل هذا الاستقطاب والتجاذب، يتعين على صانع القرار السياسي الداخلي في الولايات المتحدة التعاطي بحكمة مع آراء أفراد المجتمع المتباينة لتجنب أية ردود أفعال غير مرغوبة، إذ تقع على عاتقه مهمة إحلال التوازن بين تلك المتغيرات، كما إنَّ عليه إدراك توجهات أفراد المجتمع ضمن الأطر الفكرية للتيارات السياسية والاجتماعية السائدة، ورؤى وتوجهات حزبه السياسي، فضلاً عن أهمية أن يأخذ صانع القرار السياسي الداخلي بالحسبان مطالب جماعات المصالح الخاصة المختلفة التي تسعى للتأثير باتجاه تبني سياسات معينة على المستوى الاتحادي وعلى مستوى الولايات.