قبعة الدكتور منير

قبعة الدكتور منير على ضوء مصباح شاحب سهر العم نجيب الدبس الملقب بأبي مسعود حتى ساعة متأخرة من الليل وهو يقرأ رواية الأبله لدويستوفسكي، تثاءب أخيراً وقد شعر بحرقة في عينيه طوى الكتاب وحفظ رقم الصفحة التي وصل إليها. ودوّن الرقم بقلم رصاص أسفل ورقة بيضاء كتب عليها أرقام كثيرة لهواتف ولأرقام صفحات من كتب كثيرة كان قد قرأها سابقاً، خلع نظاراته السميكة العدسات، ووضعها تحت المخدة. نهض ومشى متكئ على عصاه التي صنعها بنفسه من غصن سنديان، وأطفأ الضوء وعاد واندس في فراشه. كان العم نجيب قد قرأ تلك الرواية سبع مرات، ولم يمل منها، وفي كل مرّة كان يكتشف شيئاً جديداً فيها. لقد أسرته شخصية الأمير ميشكين بطبيعتها الطيبة الجميلة بشكل غير قابل للجدل. كان معجباً ايضاً بشخصية زوربا في رواية كانتزاكيس التي سيعيد قراءتها للمرة الخامسة عندما ينتهي من الرواية التي بين يديه. لم يكن نجيب يشبه بطلي الروايتين، كان بخيلاً في كل شيء ، إلا في الثقافة والأدب، فكان كلما سنحت له الفرصة يقوم بشراء رواية أو كتابا من أحد معارض الكتب. كان يحب التنظيم الدقيق لكل مفردات حياته، دون أن يتح المجال لأي ارتجال أن يظهر للعلن، حتى في الأمور الطارئة.