الوطنية والتحديثية

خلال العقود الثلاثة الماضية عرف تأريخ الفكر الوطني في المغرب تطوراً كبيراً كمًّا ونوعاً؛ فقد اتسعت دائرة المهتمين بمجال الفكر العربي المعاصر في المغرب بعامة، والفكر الوطني في المغرب بخاصة، سواء مع تنامي عدد الأطروحات الجامعية التي انكبت على الموضوع بالبحث والتحليل، وكذا بالإسهام في الكشف عن الكثير من المصادر المكتومة ومن الوثائق التي كاد يطويها النسيان، أو مع ما قدمه بعض الفاعلين في الحركة الوطنية المغربية من مذكرات ومدونات شخصية عن الحركة الوطنية المغربية، تلقي على الموضوع أضواء جديدة وتكشف حقائق ومعلومات لم تكن معروفة من قبل. ينطلق هذا الكتاب في تحليله من مقاربتين محوريتين: الأولى هي أن الفكر العربي المعاصر في المغرب لا يدرك ولا تفهم موجهاته وأطروحاته الأساسية إلا في السياق العام والأشمل، أي سياق الفكر العربي المعاصر بإشكالاته وموجهاته وصعوباته؛ والثانية هي أن التاريخ، ومنطق سير الأحداث في المغرب قضى بوجود ارتباط بين حركة التحرير التي خاضها المغرب وبين عملية التحديث التي سعي المغرب لتحقيقها. من هنا يلقى هذا الكتاب الضوء على جوانب الارتباط بين عمل التحرير وعمل التحديث في المغرب، انطلاقاً من الاعتقاد بأن عمل الحركة الوطنية المغربية لم يكن يفصل في مهمة التحرير بين بعدين: تحرير الوطن من الاستعمار، وتحرير العقول من الأسباب التي جعلت استعمار البلد ممكناً.