الزرايب

كنت طفلًا صغيرًا ذا عامين، حين أحضرني أبي إلى منطقة الزرايب، مغلوبًا على أمره لا يملك إلا قليلًا من الجنيهات، وزوجة ضعيفة، وابنًا صغيرًا، يتكِئ على خيبة أمل، وحسرةٍ من واقع مرير، يبحثُ عن مأوى من وحشة الطُّرق ومفجعات الدنيا، فأوقعه قدرُه على أرض الزرايب، وترعرعت أنا فيها، بكل العتمة والظلام والجحود والسرقة والقتل وتفَشِّي وباء الانحدار الأخلاقي، كبرتُ في عالم مظلمٍ ضئيلةٌ فُرَصي للخروج منه، ومع هول ما أُبصِره كل يوم، سمعت حكايات الأوائل الصانعين للمنطقة، والمفسدين الذين تسبَّبوا في خَلق تلك الوحوشِ من البشر، ولولا أنني كنت من سكان المكان، لمَا صدَّقتُ أنَّ أُناسًا بتلك البشاعة خُلِقوا على الأرض وعاشوا معنا. وكنت دائمًا أسأل نفسي سؤالًا، لمَ اختار أبي تلك البُقعة المرعبة ليسكنها؟ ألم يشعر بالخوف عليَّ وأمي؟ حتى لو كان العالم موحشًا، أكان الجحيمُ اختيارًا أيسر وقتها؟ حتى وجدت الإجابة بعد ما يقارب ثلاثة عقود من عمري، أنَّ الله قد دبَّر لي هذا الأمر وتلك العيشة العويصة، لأكتب هذه الرواية، وتكون واحدةً من أبشع التجارب وأصعبها في حياتي، وأكون سببًا في خروج حكايات الزرايب إلى الناس خارجًا، فيعلمون أنَّ الدنيا فيها أبشع ممَّا يتصوَّرون، لكنهم محظوظون فقط، لأنهم لم يُولَدوا في منطقة الزرايب.