محاورة تهذيب العمران

محاورة تهذيب العمران انبعاث لأحداث لا يمسها ضر ولا يخالط ثراها غبار، في محاولة التقليب جثت كانت خالدة أسماء وفكراً وعلماً. فعلها ستبقى كذلك، على أقل تقدير، إلى أن يكون هنالك من يأتي بجدل هدم العمران وخطاب تشويه الاجتماع البشري ! محاورتنا التي تلاعبها أنامل يديك عزيزي القارئ، ما هي إلا مسرحية تنسلت عن خيال عابر. عن خيال جمع في طاولة ما عجز عنه الزمن في قرون مرت أو كانت له حكمة فيه. جلاء بطل القصة وهم حي وتجسيد لحيرة عقل أثقلته تجارب التطرف الديني، فشاء الترنح بين نور الإسلام وظلمات ما عداه على أن تتنسل عن خمرته، بنت عقل تفك عنه تبرم حيرته وتنصره على سطوة ضياعه، يشاء الأمر الإلهي أن تكون الأقدار له حليفة، فينتهي بعد أن كان سقراطي الفكر، سفسطائي الجدل، نيتشوي العدم، وكاموي العبث تلميذا ترعاه أيدي الزمان فتقلبه ببطش كتاب سحري بين أكف الكبار العظام من الفلاسفة، ليكون له أن يهدم حيرته بحيرات غيره ممن جالسوه من المفكرين، فما أسعد المرء ببؤس غيره حين بؤسه، فيشاطر فيه انفطارًا ودمعًا! تحت حكم مداد متواضع وسطور هي أعلم بغلبة توفيقها على توقيفها، نلامس أكف الصلح بين الدين والحكمة على أنها إنجاب متكرر لإبداع ما خُلِقَ أو صنع، بقدر ما اكتشف أو علم سبقه بالوجود وأسبقيته في الأيس عن التأويل وخطابة الزندقة ومناهجها فحسب. نحاول في ما نقدمه ماثلاً أمامكم، ألا نعمل على إبداء الاتفاق الكائن بين العقل والحكمة جليا، بالقدر الذي ننحو فيه منحى الاستنباط والتوليد من نظركم العقلي كقراء للفلسفة، ومبدعين في أصول أحكامها وأنوار جوهرها. فيكون لنا بيسر كان الله وليه والفكر رسوله والوسيط بيننا وبينه، أن تعطش لمياه الجب المالحة ونستقي منها عوض الإدراك العابر علما رصينا، ما إن يستعبد في قصور عقولنا، ويُسجن في ظلم جهلنا وقصور فهمنا؛ إلا وهو ملك عليها وزير فيها وعزيز بها. ما كان ذلك اغترارا وإنما إيمانًا، إيمانًا خالصا بأن مبدع السبب هو نفسه خالق النتيجة وأنه جل وعلا ما وضع قنّا إلا وجعل مستهله الفكر وماله الوحي والتسليم بما شاءته ذاته العلية من سنن وأحكام.