غامبرينوس

كان الزبائن يشربون الجعة في حانة "غامبرينوس" بصورة جدّية وبكميات هائلة. وقد كان من أعراف وتقاليد ذلك المكان أن يعتبَر أمرًا جديرًا بالتباهي والتبجح إذا ما جلس اثنان – ثلاثة أشخاص إلى طاولة مليئة بقوارير فارغة لدرجة أنّ واحدهم لا يعود قادرًا أن يرى الآخر بسبب كثرة القوارير، كما لو أنهم يجلسون في غابة من الزجاج. ولكن ها هي الحرب اليابانية العظيمة قد اندلعت. راح روّاد "غامبرينوس" يمضون حياتهم بطريقة مستعجلة. بدأت تظهر صحف على الطاولات، ثم بدأ الزوار يتجادلون في أوقات المساء بشأن الحرب. حتى أن الناس البسطاء والمسالمين تحّولوا فجأة إلى محللين سياسيين وإلى مخططين استراتيجيين، إلّا أنَّ كلَّ واحد منهم كان يشعر بالقلق وبالاضطراب في أعماق قلبه، وإنْ لم يكن من أجل نفسه، فمن أجل أخيه وبشكل أكثر دقة، من أجل رفيقه وصديقه. راحوا ينشدون وينتحبون، وراحوا يشربون كميات تزيد أضعافًا عن العادة، وكما راحت تشرب بالمناسبة روسيا عن بكرة أبيها حينئذ. كلّ مساء كان يأتي أحد الأشخاص لكي يودّع الباقين، كان يتظاهر بالجسارة وقد راح يختال مثل ديك، كما كان يرمي القبعة إلى الأرض، ويطلق التهديدات بأنه سوف يسحق وحده اليابانيين لينهي المساء مع الأغنية الحزينة وهو يذرف الدموع.