العنبسية

عندما نقرأُ كتاباً ما لكاتبٍ بقيمة (فكري أندراوس)؛ فإن علينا الانتباه كثيراً؛ فالهم القومي والبعد التحليلي للتاريخ، وإعادة تأويله، إحدى أهم السمات التي تتسم بها كتاباته، واليوم يقدم لنا نصاً سردياً، يتخذُ مظهرَ الرواية، ومع ذلك، نحتاجُ أن نحلل هذا النص بدقة حتى نقف على الأبعاد التي يتضمنها، يقول: «أدركت أن بعض هذه الأوراق في ذلك الدولاب العتيق قد تكون مهمةً لي في أمريكا، حين تصورت مخطئاً أن علاقتي بمصر قد تنقطع أو تضمر بعد الهجرة، وهو ما لم يحدث. ما حدث هو العكس تماماً، فقد زاد ارتباطي ومعرفتي بمصر بعد هجرتي عن زمن وجودي بها، وكأن حب مصر أصبح مقروناً بالبعدِ عنها، كما ذكر طه حسين.»، هذه المقدمة التاريخية التي يهيئ بها المدخل لنصهِ السرديّ، تعطي نوعاً من المصداقية التوثيقية لما سيتم ذكره، فنحن لسنا أمام تأليف من خيال الكاتب، وإنما نحن أمام خيال يستلهم الحقيقة التي كانت، ويعيد تقديمها ماثلةً أمامنا، واضحةً عياناً بياناً، لكي يعيد القارئ الحالي- الذي ربما لا يعرف الكثير عن أحداث الفترات التي ستتناولها الرواية- يعيد النظر إليها، وإلى المسلّماتِ القارةِ في ذهنه، بل كثيراً ما تمت الإشارة إلى أن القارئ الحالي لا يتخيل مقدار ما كان من انتشارٍ للكنائس مثلاً، أو من أوضاع كانت موجودة في الوقت الذي يتناوله ذلك النص السردي.