الشعر المصري الحديث في ستينيات القرن العشرين

قدمت السيميولوجيا منهجًا معرفيًا لفهم العلامات، فألقت الضوء على كيفية ارتباط العلامات بعضها ببعض، ونظرت لعلاقاتها معًا، وكيف تُشكِّل من خلال هذه العلاقات الدلالة، فهي تسعى لاكتشاف النَّسَق الذي ترتبط به العلامات معًا والذي يَحْكمُ صيرورة إنتاج المعنى، وفي حالة قراءة الشعر فإن الأمر يصبح أكثر من مجرد اكتشاف المعاني الكامنة في العلامة المقروءة والمكتوبة في نصٍّ تُحدِّده اشتراطات الشعرية من سِمات الأسلوبية وخصائص نوعية، فهي قراءة لها ارتباطات بعلاقات النصوص ببعضها بعضًا من ناحية، وبرؤية القارئ وفهمه للمجتمع والواقع من ناحية ثانية، وكذلك بالموقع والمسافة اللذين يقف فيهما قارئ النص عند لحظة إنتاجه من ناحية ثالثة، وإذا كنا بصدد تحديد مفهوم لكيفية قراءة الشعر في ضوء السيميولوجيا فإن أمامنا معضلة جوهرية، تتمثل في أن السيميولوجيا ليست شيئًا واحدًا يمكن الإمساك به بسهولة؛ فالقول بأنها دراسة للعلامة في سياقاتها المختلفة مجرد اختزال للمفاهيم الكامنة وراء تاريخها، فهناك ميراث طويل يبدأ من (فرديناند دي سوسير)، ويمر بـ(شارل ساندروس بيرس)، حتى نصل لصور أكثر إجرائية عند (رولان بارت) و(أمبرتو إيكو) و(جريماس)، هذا المخاض الطويل يجعلنا نوافق (سعيد بوعيطة) حين يقول: «إنَّ كلَّ محاولة لتلمُّس خصائص النظرية السيميائية في شموليتها، هو ضَربٌ من المُحال بحيث يتعذَّر الإلمامُ بها في شُموليَّتها».