تغريبة بني هلال

في هذا الكتاب سنضع حداً فاصلاً بين حدثين، كلا منهما يختبئ في جوف الآخر، الأمر الذي سبب لبساً كثيراً عند البعض، إذ أن "تغريبة بني هلال" ليست هي "سيرة بني هلال"، فالأولى هي الجزء، بينما الثانية هي الكل الذي منه تفرع الجزء. السيرة الهلالية هي ملحمة ٌيسرح ُفيها الخيالُ ويمرحْ، ويلعب بعقول السامعين ويتلاعب، قليلهُ واقع، وكثيرهُ خيالْ. إن السيرة عملاق ضخم بالنسبة إلى التغريبة، فهي حكاية تضطجع على امتداد جغرافي هائل يرحل بأصحابها من نجدٍ إلى بلاد الرافدين ثم يعبر بهم البحر إلى "قبرص" عائداً بهم بعد ذلك إلى صعيد مصر، ثم مجتازاً بهم المحروسة إلى ليبيا ومنها إلى تونس، ثم متوغلاً بهم بعد ذلك إلى الجزائر والمغرب بعد اكتمال النصر وبلوغ المرام. هذه هي "السيرة" بتمامها وكمالها، أما "التغريبة" فهي لا تتجاوز المرحلة الأخيرة من السيرة، وهي المرحلة التي تنطلق من نجدٍ إلى تونس، حيث تتعدد في روايتها الألسن، وتتنوع اللهجات، وربما تختلف أيضاً مصائر القليل من أبطالها بين موتٍ هنا وحياةٍ هناك، وقد تتباين التفاصيل لكن بدن الرواية لا يتمادى في ذلك كما جرت العادة. والتغريبة بهذا السجل الذاتية المشحون تبدو وكأنها تتقاطع مع أسطورة حصار طروادة الشهير، التي أعطاها "هوميروس" اسماً ذاع صيته وانتشر، فأسماها "الإلياذة"، فهي أيضاً تمثل الأمتار الأخيرة من السباق، كما مثلت الإلياذة الأيام الأخيرة من الحصار.