الإبداع من الفكر إلى الممارسة

يتعامل الكاتب مع موضوع الإبداع و كأنه "مولوده" الجديد، محاولاً معالجته من جوانبه المتشعبة كافة صاباً عليه خلاصة فكره وتجاربه، منتقلاً بين مكونات الإبداع و آليات عمله بهاجس تغطيتها كلها بموضوعية وعمق. انتقد الكاتب مسارات الفكر العربي انتقاداً شديداً معلناً: إن الفكر العربي قد خرج فكراً لا شخصية ولا هوية له في كثير من المجالات و في العديد من الحقب الأمر الذي أظهره مهزوزا يسير بلا هدى. و من هنا لم يكتفي الكاتب بالعرض و النقد، بل تعداه إلى التحليل و المبادرة بالطرح، فقد عرى ممارسات الديمقراطية المركزية و كيفية طغيان الركن الثاني على الأول، فاقترح الانتقال من مبدأ (نفذ و من ثم ناقش إلى مبدأ (بادر و قيم و حاسب). إذاً نحن أمام تجربة غنية بالفكر الاجتماعي والسياسي و الدبلوماسي تستحق التوقف والمتابعة، ناهيك عن أن الكتاب ضرب جديد في التأليف فرفوف المكتبات عامرة بكتب السياسة والاقتصاد و لكنها نادرة في الدبلوماسية، أما عن الإبداع في السياسة، فهو أشد ندرة لأنها موضوعات عظيمة تتطلب أعقد العمليات الفكرية على مستوى الأمم، لذلك خلد التاريخ قادة الإبداع السياسي على مستوى العالم. و هكذا يشعر القارئ و هو يتقدم بصفحات الكتاب بأن المؤلف يحمل على كتفيه هم مشروع النهضة العربية الثانية.