السلطان الملك المؤيد شيخ

من حسن حظي لتأليف هذا الجزء الذي يتناول سيرة الملك المؤيد شيخ ثم سير ثلاثة سلاطين حكموا مدداً قصيرة جداً غير محسوسة هم الطفل المظفر أحمد ابن المؤيد والظاهر ططر والصبي الصالح محمد ابن ططر, أنني اطلعت على مادة علمية ووثائق هامة تغطى سير هؤلاء السلاطين قلما يتواجد مثلها لغيره من الأجزاء, فقد عاصر السلطان المؤيد شيخ ثلاثة من كبار المؤرخين كتبوا تاريخه في يوميات لا تحتمل التأويل إلا قليلاً, بل أنهم شاركوا في بعض الحوادث التاريخية أثناء سلطنة المؤيد . وهؤلاء الثلاثة هم : تقى الدين المقريزي, وشهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني, وبدر الدين العيني, فالمقريزي كان في قمة نضجه الفكري وقتئذ وأرخ للمؤيد بيوميات وشهور مفصلة رصد فيها كل تحركاته وأفعاله وما يصدر عنه من مناشير وأوامر سلطانية, وقد قيم المقريزي السلطان المؤيد وكان رأيه فيه بالسلب إلى حد كبير, وابن حجر العسقلاني كان مقربا من السلطان المؤيد ويحضر مجالسه العلمية، بل اختاره المؤيد ليدرس المذهب الشافعي في مدرسته (الجامع) وأوكل إليه شخصيًا بعض التحقيقات مع بعض القضاة، وكان رأى ابن حجر النهائي فيه إيجابياً ولم يذكر مساوئه وعيوبه التي ذكرها صراحة كل من المقريزي والعيني، أما القاضى بدر الدين العيني فقد حظي هو الآخر بمكانة كبيرة لدى المؤيد وكان يشغل منصب ناظر الأحباس في سلطنته، بل بعثه سفيراً لقضاء بعض المهام في الشام وأرمينيا الصغرى وكان الوضع هناك ملتهباً ورأى المؤيد أن العيني هو الأصلح لمحاولة إقناع الأمراء المتمردين هناك بطاعة السلطان نظراً لعلمه الكبير وبلاغته وفقهه، كما أسند إليه تدريس الحديث الشريف النبوي فى المدرسة (الجامع)، بل أكثر من ذلك قرر له صرف ۲۵۰۰ درهم مؤيدية سنوياً في مصالح مدرسة العيني التي أنشأها خلف الجامع الأزهر الشريف الباقية إلى الآن أثر رقم (۱۰۲)، وبالرغم مما كان عليه العيني من نفاق زائد عن الحد للمؤيد يشهد عليه تأليفه كتابه « السيف المهند في سيرة الملك المؤيد « فإن العيني في تقييمه للمؤيد بعد ذكر حسناته ذكر عيوباً خطيرة فيه، ويحسب له هو وابن حجر ذكر قتل المؤيد لابنه ابراهيم بالسم في تاريخهما بينما لم يذكر المقريزى تلك الحادثة الشنيعة في تاريخه السلوك لمعرفة دول الملوك .