تاريخ الأدب الجاهلي

يعتبر العصر الجاهلي أكثر العصور الأدبية غموضاً بسبب قلة المصادر التي نستقي منها مادة تاريخه ، وبخاصة ما يتعلق بالأدب : شعره ونثره ؛ ولعل ذلك يعود إلى ما أحاط ذلك الأدب من ظروف وملابسات جعلت أغلب نصوصه غير مدونة ، فظلت الوسيلة الوحيدة لتناقله بين القبائل هي الرواية الشفهية ؛ وقد لعب الرواة دورا خطيراً في هذا الشأن حيث تعرض الشعر الجاهلي لمشكلات أساسية متعددة منها ـ إضافة إلى عدم تدوينه ــ ما أصابه من تحريف في أبياته وقصائده على حد سواء نتيجة لشرود تلك الأبيات والألفاظ من ذاكرة الرواة ، ثم ما أصابه من وضع وانتحال بحيث لم يكد يخلو شاعر بله قصيدة من قصائده من تحريف ووضع وانتحال ؛ وكانت هذه من أخطر المشكلات التي تعرض لها الشعر الجاهلي ؛ وقد قيض الله لذلك الشعر نفراً من الرواة أفسدوه إفساداً ، فـأصبح من العسير إصلاحه لولا أن تداركته همم طائفة من الرواة العدول الثقات نقحوه عبر مقاييس دقيقة خارجية وداخلية تناقش نصوصه وتوثقها وتحقق نسبتها إلى قائليها مما سنقف عنده في بحث مشكلة الانتحال في الشعر الجاهلي .. وقد حاولنا هنا أن نؤرخ للأدب الجاهلي حيث وقفنا عند بعض القضايا الأساسية ذات الصلة المباشرة بهذا الأدب ، وحاولنا أن نتخلص من بعض الجوانب التي لم نجد حاجة في الوقوف عندها ؛ على أننا حرصنا على الإيجاز الشديد في عرض تلك الجوانب لتتناسب مع طبيعة المنهج الدراسي ؛ هذا وقد انصبت عنايتنا في هذه الدراسة على الأدب الجاهلي نفسه : شعره ونثره حريصين على رصد الآثار المتنوعة التي خلفتها الحياة الاجتماعية بأنماطها وأقسامها المتعددة : الدينية والعقلية والثقافية والفكرية والاجتماعية وغيرها في هذا الشعر ؛