الشعر في الموصل في القرن الثاني عشر للهجرة

مدينة الموصل موطن الحضارات الأول. أشرقت فيها شمس العلم، وترعرعت بين جوانحها براعم الأدب. رفعت راية الثقافة، إذ عُثر فيها على أقدم مكتبة في العالم القديم، ومشت في دروب الشعر وحملت لواء الفكر ، وشعلة الحضارة؛ فنبغ فيها من العلماء والأدباء والشعراء والفقهاء والوشاحين ما يشكل علامة مضيئة في سفرها البهيج لها دور سامق في العصور الإسلامية المتعاقبة إلى مطلع القرن الثاني عشر للهجرة الذي تطالعنا (الموصل) فيه بوهج ثقافي، وصيت أدبي، وولادة شعراء كثر سلكوا طريق الإبداع، وشاركوا في مجريات المجتمع الموصلي وحوادثه، وتطالعنا بملحمة صمود خالدة في ذاكرة الزمن سجلت جزئياتها بدماء الشهداء من أبنائها، مصحوبة بعلق شأو الأسرة الجليلية التي منحت المدينة صبغة مستقلة، وكيانا موحدا، جعلها بيئة خصبة للشعر الذي يمثل جزءًا من التراث العربي من حيث الموضوع والأسلوب، والفكرة، والدلالة، والذي يُعد معرفة تراكمية تراثية؛ وهي معرفة لغوية يتخللها فيض من التصورات الذاتية، والأحاسيس الشخصية المتبلورة في موضوعات لها مقومات الوجود الثقافي في القرن الثاني عشر للهجرة). ونظرا لوفرة ما نظم في هذا القرن من شعر، مثل مجتمعه تمثيلاً صادقا، ولكثرة الشعراء فيه؛ رغبت في دراسة موضوع (الشعر) في الموصل في القرن الثاني عشر للهجرة الذي يصدر عن الشاعر موصلي الولادة، لكشف جوانبه بحثا ودراسة، بعد أن كان فكرة في الذهن تبددت، ثم تجمعت أواصرها، وبعد أن أدخل في نفسي شيئا من توجس، وبعضا من تردد، وبعد أن تيقنت أنه لا يزال مجهولاً غير مدروس، في بحوث ودراسات جامعية دراسة نقدية - تحليلية تجلو غوامضة، وتفصح عن خصائصه وتوضح سماته؛ ليقول (النقد الأدبي) كلمته، ويعلن البحث الأكاديمي) حقيقته الأدبية في هذه العصور عصرا عصرا، وقرنا قرنا، ومدينة مدينة؛ فيكون الحاصل الرؤيوي إشباع الحياة الثقافية في العراق نقاشا وحوارًا ومعرفة بعيدا عن أقاويل الجاهلين بمعطيات الفكر الثقافي، وحركته في مرحلة عصيبة تكشف فيها عن وجه حقيقي للأدب العربي.......