مذكرات محامي

ومن نعم الله التي أحمده عليها حمداً كثيراً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه أن منَّ عليَّ بجوده وكرمه بالاطلاع على علوم الشريعة التي تغذي الروح والعقل وأحسن توفيقي في حياتي العلمية والعملية وهداني لسبل الخير والنفع والفلاح وقول الحق والعمل به في أمر حيوي في الحياة ألا وهو العمل في المحاماة صوت الحق ونصرة المظلوم والسعي لإثبات الحقوق وفضح الباطل وتحري صحة الوقائع والادعاءات والدفوع للوصول بالحكم الشرعي إلى مبتغاه في ترسيخ المبادئ السامية للشرع الحنيف التي تحث على إقامة العدل والإنصاف وتسليم الحقوق إلى أصحابها والمحافظة على الضرورات الخمس وهي من أعمال البر والتقوى ودفع الظلم والعدوان . قال جلَّ وعلا: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا». وقال عليه أفضل الصلاة والسلام (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ولإن أمشي مع أخ في حاجة أحبُ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهراً)، تلك الثوابت في شرعنا الحنيف نبراساً يضئ الطريق لكل ذي بصيرة. لقد بذلت الجهد في إبراز ما خفي من ملابسات القضايا وإجراءاتها وتكييفها على الوجه الصحيح، وإيضاح ما اكتنفها من غموض وخفي من أحداثها مستشهداً بما لدي من وثائق ومستندات وبراهين مدَّني بها الموكلين في إثبات حقوقهم ومطالبهم مستعيناً بقواعد شرعية تعين القاضي على الوصول إلى الحكم العادل بإذن الله. وقد مضت مدة جاوزت الأربعة عقود من الزمن لم أحيد خلالها عن هذه المبادئ في تعاملاتي مع الموكلين أو الخصوم والأجهزة القضائية والتنفيذية والزملاء اتسمت بحسن التعامل والاحترام المتبادل والحمد لله. وتميَّزت هذه الحقبة من الزمان بصدور كم كبير متواتر من الأنظمة واللوائح والقرارات لتواكب النهضة الاقتصادية الشاملة في البلاد؛ ولتلبي حاجة مختلف القطاعات في الدولة، وعلى وجه الخصوص مرفق القضاء الذي حُظي بالاهتمام لتقديم خدمات عدلية رائدة بأعلى كفاءة وشفافية، وبأقل وقت وجهد وتكلفة بما يسهم في المحافظة على الحقوق والأموال العامة والخاصة وفقاً للأحكام الشرعية والأنظمة من خلال جهاز قضائي مؤسسي ومستقل ومتخصص وإجراءات ميسرة وتقنية متطورة، مع الأستفادة من أفضل الممارسات والتطبيقات الدولية. ولما عايشته خلالها واطلعت عليه من صعوبات ومكابدة ووقائع وأحداث ومرافعات وأحكام في بعضها الكثير من العبر والمواعظ والمعلومات فقد وجدت مناسبة كتابة مذكراتي توثيقاً لها وأملاً في انتفاع أبنائي الجيل الجديد من المحامين وغيرهم؛ لتجنب أسباب النزاع فيها وتلافي ما حصل بتعاقداتها من قصور أو غموض والعمل على تحري الدقة والوضوح فيما يتم الاتفاق عليه من تعاملات، مع بيان قواعد أخلاقيات المهنة، وواجبات وحقوق المحامين النظامية وما له علاقة مباشرة في ممارسة هذه المهنة. أسأل الله التوفيق والسداد للجميع وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.