الوحدة الفنية في القصيدة الجاهلية

جذور الإبداع قديمة قدم الإنسان؛ وكُلُّ نمط فيه أكد وجوده وارتقاءه في صميم التجربة الذاتية المنبثقة من الاستكناه النفسي العاطفي الذي يستبطن البيئة من جهة والعالم غير المرني القابع فيما وراء الشعور من جهة أخرى. أو لنقل: إن كل مبدع يبتكر وجوده الحيوي الفني من عالم الوعي واللاوعي ويعبر فيه عن طبيعة ووظيفة وغرض في إطار مرجعياته الاجتماعية والثقافية والتاريخية والطبيعية وربما عايش أسرارها القريبة والبعيدة الظاهرة والخفية ليجمع بين عالم الروح والحقيقة؛ ما يشي بأن الوجود الفني أو الأدبي وجود نفسي حيوي ممتد في الزمان والمكان والثقافة. وقد كان المبدع في هذا الوجود الإبداعي يكتشف تجربته الشعرية، ويبتكر أنماطاً توازي الجوهر الحقيقة الموضوع - الكون الخيال)؛ أنماطاً تمتاز بشبكة معقدة من العلاقات والعناصر التي تكون النص المرغوب فيه ما يؤكد أنه لم يغب يوماً عن النص الذي أبدعه؛ وكذا هي مرجعياته التي تُسْتَشفُ من البني الفنية التي يستند إليها.. ولذا فإن المتلقي يتلقف هذه التجربة الإبداعية؛ بوصفها انبعاثاً جمالياً؛ واستدلالاً على ما وراء المعرفة التي تراكمت زمانياً واجتماعياً، ويطيل النظر فيها، فيحكم عليها إيجاباً أو سلباً؛ ويَظَلُّ الإبداع والحكم النقدي في عهدة الزمان... ومن ثم تلقى القصيدة القديمة أبناء زماننا كما تلقاها النقاد القدماء فأطلقوا على النص الشعري الذي زاد على عشرة أبيات مصطلح القصيدة - وهو مذهبنا - وجعلوه مشتقا من القصد أو الغرض، وما دون ذلك أبيات إلى الثلاثة ومقطعة بين الثلاثة والعشرة ... وإذا طرقت القصيدة موضوعها مباشرة واكتفت بغرض واحد فهي بسيطة؛ وإلا فهي مركبة لأنها جمعت غير ما غرض؛ أو قامت على مقدمات فنية وغرض. وكان كل شكل فني يرتكز على إيقاع ووزن وروي وقافية تكون مستقراً للدلالة وهو يستجيب لذوق الشاعر وفيضه العاطفي الذي يصغي إلى دقات قلبه.